موقع التكه

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

3 مشترك

    ســـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــيؤن 1934م

    samyyyyy
    samyyyyy
    عضو ذهبي
    عضو ذهبي


    عدد المساهمات : 2067
    نقاط : 970
    تاريخ التسجيل : 16/03/2008
    العمر : 39
    الموقع : في كل مكان

    ســـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــيؤن 1934م Empty ســـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــيؤن 1934م

    مُساهمة من طرف samyyyyy الخميس أبريل 30, 2009 4:38 am



    ســـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــيؤن 1934م 493102
    ســـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــيؤن 1934م 755738
    ســـــــــــــــيؤن 1934
    ســـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــيؤن 1934م 755738
    تأليف: فريا ستارك

    ترجمة: د. مسعود عمشوش


    هنا الوادي عريض وقليل العمق. وعلى جانبه الأيمن، عند مدخل وادي جثمة الصغير، وسط النخيل، تربض ســــــــــيؤن.
    اخترقنا بساتين المدينة المليئة بالطيور، والمحاطة بالأسوار المرتفعة. ودلنا بعض الناس على موقع "فيلا عزالدين" التي يسكنها السلطان في أثناء أشهر الصيف الحارة، والتي من المقرر أن أقيم فيها. من البوابة الخارجية للفيلا دخلنا إلى حوش أبيض محاط برواق مقنطر تقودنا من وسطه بضع درجات إلى الطابق الأول. وأمام المبنى هناك بركة ذات حواف بيضاء وماء أخضر يصدر هسيسا رقيقا. ومن المبنى الرئيسي يقودنا رواق إلى ملحق ذي طابق واحد مكون من صالون وغرفة نوم، وقد طلي بالجير الأبيض (النورة). وكان سعف النخيل الأخضر يلامس جدران المبنى ونوافذه من الخارج. أما في الداخل، فقد كانت الغرف جميعها بيضاء وتحتوي على أثاث فاخر: صوفا وكراسي موشاة بالمخمل ومرصوصة بشكل دائرة، وطاولات صغيرة. وتحتوي غرفة النوم على ناموسية وردية اللون ومخدات ناعمة ووردية هي أيضا.
    لقد كانت "فيلا عزالدين" مرفأ السلامة.


    ســـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــيؤن 1934م Ezzedinrwag

    رواق عزالدين (2002) وابن السلطان علي بن منصور


    بعد أن غيّرت ملابسي المغطاة بالتراب، ولبست فستانا من قماش الأطلس الأصفر بنقط سوداء، وصل السلطان علي بن منصور وأخوه وبرفقتهما ثلاثة من السادة آل الكاف الذين بفضلهم استطعت أن أصل إلى هذا المكان القصي. وبعد أن جلسوا في نصف دائرة تحدثوا إليّ برقة وعفوية أقنعتاني أن استقبال الأوربيين لم يكن شيئا مزعجا بالنسبة للحضارم. كما أن ملامحهم وتصرفاتهم التلقائية تعكس هي أيضا مدى خبرتهم في التعامل مع قضايا مواطنيهم الصعبة، وسمحت لي كذلك أن أدرك كيف استطاع هؤلاء الحضارم أن يكونوا الثروات الكبيرة بين الأوربيين في شرق آسيا وأن يديروا بجدارة الأمور السياسية في بلادهم.
    سيؤن ... إنها ألطف المدن حقاً. لا أملُّ إطلاقا المشي على مهل في أزقتها المغلقة بين بيوتها البيضاء والبنية، التي تتفرج من فتحات نوافذها المرتفعة المعلقة في الجدران المائلة على الشوارع الترابية،الصامتة، غير المعبدة والخالية إلا من بضع نساء يجرجرن أطراف جلابيبهن الزرقاء أمام الأبواب المزخرفة، وعدد قليل من جمال البدو التي تلامس بحمالها أركان البيوت الطينية.
    في سيؤن تتميّز المنازل بالزخارف الرفيعة والمتنوعة، وبنوافذها ذات المشربيات الصغيرة التي تشبه زوائد الحماية التي تضاف للقصور القديمة بهدف سكب الزيت الحار فوق المهاجمين. لكنها تستخدم هنا لأغراض سلمية تكمن في السماح للنساء بالتفرج على ما يدور في الخارج دون أن يشاهدهن أحد. وعادة يوجد للنساء مدخل خاص ومتواضع يقع بجانب المدخل الرئيسي للبيت. وهناك كثير من الطرقات الهادئة والمشمسة في سيؤن: وفي كل منها مسجد أبيض وسقاية مزخرفة تظللها نخلة أو نخلتان.
    بالإضافة إلى ذلك، مجاري سيؤن كلها مغطاة، وتصب في بلاليع مغطاة هي الأخرى، وهذا يجعلك تتمشّى في طرقات سيؤن دون أن تقلق على صحتك. وسيؤن فضلاً عن نظافتها مدينة مريحة، وفيها جامع شيّد وفقا للأعراف القديمة، حيث توجد به سبعة صفوف من الدعامات. ومثلما هو الحال في تخطيط أي مدينة إقطاعية، تحتوي سيؤن على سوق وقصر للسلطان ومقبرة في وسط المدينة. وفي يوم التسوّق ينتصب قصر السلطان بأبراجه الأربعة فوق بحر من الجمال وبائعي الغنم والحمير والسلال المصنوعة من خوص النخل، وبائعي الخضار المتقرفصين على قارعة الطريق، وكذلك باعة الملح والمسامير والأحذية، والنساء اللاتي يلبسن قبعات طويلة ويبعن الشالات الصوفية.
    وفي فترة إقامتي في سيؤن، عندما أصبح بإمكاني المشي، رافقني اثنان من العبيد كان عليهما أن يستخدما عصا من سعف النخيل أو مؤخرة البندقية ليزيحا من طريقي الحشود التي كانت تتجمع حولي والتي لم يسبق لها أن رأت "افرنجيه"، إذ أن انجرامس وزوجته لم يتوقفا في سيؤن. ثم صعدت قصر السلطان بطوابقه الكثيرة، لكي أزور "الحريم". وقد وجدت نساء السلطان ودودات ومرحات، ويلبسن بالطريقة الحضرمية، ولكن مع إضافة شيء من الأناقة الهندية في الملابس الحريرية المطرزة والمزركشة. ومن الواضح أيضاً أن بعض نساء السلطان اللاتي يضعن خلاخيل من الذهب في أسفل الساق، قد تأثرن بالموضة الجاوية، ويلبسن فساتين مستقيمة من الحرير تخلو تماماً من جمال الجلباب الحضرمي الذي يضاف له ذيل من الخلف.


    ســـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــيؤن 1934م Alhosson34

    الصورة التي التقطتها فريا ستارك لقصر السلطان


    من أعلى سطح في القصر كان باستطاعتي أن أشاهد تحتي سيؤن تتربع وسط حدائقها ومزارعها وحقول القمح والنخيل، وتحيط بها أسوارها المائلة التي تمتد حتى أعلى سفح الجبل. لكن البوابات مفتوحة، والأسوار تتساقط، وهذا دليل على أن السلام يخيم في الوقت الحاضر على المنطقة، لأن السلطان يمسك بحزم على زمام الأمور، وعبيده يطيعونه، والبدو يحترمونه. لقد غمرتني مشاعر المحبة تجاه السلطان علي بن منصور الكثيري الذي ينتمي ـ كما أخبرني هو ـ إلى سلالة همدان. وفي عرف القبائل لا تعادل أي ثروة أو لقب مكتسب بالمال حق وراثة[السلطة].
    كان السلطان علي بن منصور قد بلغ سن النضج. ومازال شعره المجعد فوق رأسه المدور تماماُ أسود. والتدوير الواسع يغلب على شخصية السلطان كلها. فهو عادة يتدثر بـ"جبة" شفافة وفضفاضة. وعندما يجلس على طرف الصوفا، يلف حوله كومة ملابسه و يتابع ما يدور حوله بعينين مغمورتين بالفرح والحركة من وراء نظارتين وضعتا فوق وجه دائري لا ينم عن أي كبرياء. وقد استطعت قبل رحيلي أن أقنعه أن يضع أجمل بدلاته: وكانت عبارة عن صنج صوفي أزرق مزين بكثير من الشارات الكتفية الذهبية. ولاشك أن تلك البذلة كانت رائعة ومناسبة للصورة التي أخذناها. لكن من بداخلها كان يعاني من الحر الشديد. وكان السلطان يدرك ذلك، ومثل أي إنسان عاقل يفضل جبته الشفافة. ومع ذلك فهو لم يبد أي امتعاض أو تبرم من العادات الغربية، ويتقبل زيارتي كأحد المظاهر المزعجة لهذا الزمن الحديث، التي لا يمكن التهرب منها.
    في مساء اليوم الذي وصلت فيه لم يتحدث السلطان إلاّ قليلاً. وكذلك فعل أخوه النحيل والهادئ الذي كان يجلس بجانبه، بينما تحدث آل الكاف كثيراً عن بعض الشؤون العصرية كالطرق والسيارات والطائرات وأشياء أخرى من هذا القبيل. ولم يبتسم السلطان، الذي كان يفضّل نمط الحياة التقليدي، إلاّ بعد أن اطمأن إلى وجود ميول مشتركة بيني وبينه، إذ اعترفت له أنني أفضل أسلوب الحياة القديم والهادئ. ولا شك أن دعاة التقدم من الحضور قد أعجبوا بالثناء على تقاليدهم وعاداتهم وإن كانت متخلفة، وإن كانت ضمائرهم تفرض عليهم عبادة كل ما هو جديد. وأعتقد أن الثناء الذي نكيله للشرق ينبع في كثير من الأحيان من ميول مشكوك فيها، لاسيما عندما لا نمتدح إلا ما نقله الشرق من الغرب.
    لقد كان السلطان علي بن منصور رجلاً هادئاً واجتماعياً ولطيف المعاشرة. ولاشك أن زوجتيه تشاركانني هذا الرأي. إحداهن تسكن وسط "البلاد" أي المدينة، والأخرى في الفيلا المسماة "عز الدين" والواقعة في أطراف المنطقة الزراعية: "النخل". وفي حديقة هذه الفيلا يستمتع السلطان بالجلوس وشرب الشاي مع أصدقائه تحت أشجار النخيل وهو يتفرج على "الجربات" المربعة المزروعة بالبرسيم والذرة والجزر والبصل والقرع وصنف من البطاطس ينمو هنا وهناك بين النخيل وتشبه زهوره أزهار الدودية الأرجوانية. أما ما يجري في الخارج فلا يمكن رؤيته إذ أن الحديقة محاطة بسور من الطين مرتفع ولا يسمح لنا إلاّ بمشاهدة قمة الجبل المطل على المدينة. وقد شُيّد هذا السور لأن نساء السلطان يقضين الصيف في فيلا "عز الدين" وليس من اللائق مشاهدتهن من الخارج.
    في أحد أركان الحديقة، بالقرب من سقاية يميل بياضها إلى الاصفرار، توجد بئر شيدت عند حافتها "ثارة" من التراب الرملي والرماد، وبها فتحات لا تسمح للماء بالتدفق إلا حين يرتفع مستواه. وكانت هناك امرأة وبنتها منهمكتان في العمل بين الأشجار والطيور والجراد والسحالي، وقد حاولت أن أمسك بعضاً من تلك المخلوقات لكي أقدم خدمة إلى علم الأحياء، ثم قررت أن أتركها في سلام حين تبيّن لي كم هو مؤلم أن تضع جرادة حية في الكحول لتجعلها تموت.


    ســـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــيؤن 1934م Soorgadin

    سقاية عزالدين في سور سيؤن

    خلال فترة إقامتي في سيؤن اعتاد السلطان علي بن منصور المجيء لزيارتي كل صباح قبل أن يجلس في الظل. وكان يحدثني عن تاريخ العرب ، ويقرأ في كتاب الهمداني الذي كان بحوزتي والذي لفت انتباه كل من شاهده إذ أنه يتضمن وصفاً لكثير من العادات المعروفة في حضرموت اليوم. وبما أنه لم يكن معي شيء آخر للقراءة وكنت أقضي وقتي طريحة الفراش فقد أعارني السلطان كتاباً عن تاريخ العرب قبل الإسلام. وأتمنى أن أعثر عليه مرة أخرى، فقد كان يبدأ بفصل عن النساء كما يعشقهن العرب؛ عليهن أن يكنّ مطيعات وصبورات وشاكرات في السراء والضراء. ويحتوي الكتاب على وصايا أخرى من هذا النوع.
    بعد أن قضيت بضعة أيام في هدوء حديقة "فيلا عزالدين" بدأت أشعر بتحسن صحتي، ونزلت إلى البرندة لتناول الطعام، وكان حسن يقف بجانبي ليحدثني، ويقوم في الوقت نفسه بطرد الذباب بالمروحة. وقد حدثني عن التربية وعن جار له قام بتأليف كتاب "فريد" في اللغة "فهو يحتوي علي نحو ألف فصل، و لم يستطع أحد قبله أن يكتب أكثر من ستمائة فصل في هذا الموضوع"! وقد أشرت إلى حسن إلى أن "هذا النوع من الأرقام القياسية حديث. فعادة الأرقام القياسية تخص السيارات وليس النحو". وبدا حسن موافقاً على رأيي. وأكد أن الناس في حضرموت صاروا حديثين فعلاً، وأخبرني أن الضوضاء التي حرمتني النوم في الليلة الماضية كان مصدرها سلك التلفون الذي يركبونه بين قصر السلطان و"فيلا عزالدين". فالمهندسون الذين استطاعوا تثبيت طرفيه لم يتمكنوا من شده فظل يتأرجح ويصدر صوتاً - كصوت الأرغن – يملأ الوادي بحداثة القرن العشرين. واستطرد حسن قائلاً: "في تريم الناس كلهم لديهم التلفون، ويكلمون بعضهم بعضاً وهم في بيوتهم. لكن لا يمكن الاتصال بالمدن الأخرى عبر التلفون لأن البدو يقطعون الأسلاك التي تتجاوز الأسوار". لهذا فحسن لا يحب البدو "لأنهم ليسوا عصريين". وعندما يراني أخاطب أحداً من "هؤلاء البدو الذين يعدون أنفسهم مساوين لأي إنسان آخر" يغضب ويكشر إلى أن أقرر التخلص من البدوي والعودة إلى السيارة".
    في أحد الأيام ذهبنا بالسيارة إلى الساقية الرئيسية في سيؤن: "ساقية البلاد" التي كانت مليئة بالأحجار وشجيرات ذات أوراق خضراء داكنة تسمى "الجعبور"، لها أزهار حمراء في حجم البازيلاء، ويستخدمها الناس في تشييد سقوف المنازل الطينية. وتعد شجرة الجعبور ملكا للسلطان وتدر عليه دخلاً لا بأس به.
    وليس بعيداً من " ساقية البلاد" يقع البيت الجديد للسيد أبي بكر الكاف الذي زرته حالما سمحت لي صحتي بذلك. وقد كان البيت لا يزال في طور التشييد. وحديقته هي الحديقة الأولى في حضرموت التي تصمم وفقاً للنموذج الأوروبي. ولا يوجد فيها الآن إلاّ سلال حجرية مستديرة تحتوي كل واحدة منها على شجرة. وفي الحواف هناك سياج من شجيرات الحنّاء المقصوصة، وفي الوسط تنتصب نافورة.


    ســـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــيؤن 1934م Maisonkaf2

    دار الكاف في سيؤن


    إنّ هذا البيت هو أول مبنى في سيؤن يُشيّد بالخرسانة المسلحة؛ لهذا ليس هناك حاجة للأعمدة في غرفه الواسعة. واستبعدت كذلك منه القطع الخشبية المنقوشة والمزينة بمسامير لها رؤوس رصاصية عريضة وتستخدم عادة في حضرموت، وحلت مكانها أبواب ونوافذ أوروبية بُذلت أموال طائلة لزخرفتها. وفي الحقيقة كل شيء كان غالياً؛ حتى الحمام زُيّن سقفه بنقش ذهبي اللون في وسطه. أما البهو الذي في الوسط فسُيغطى بسقف زجاجي مثل فنادق سنغافورة...
    أيّ عقاب أكثر فظاعة يمكن تخيّله لنقّاشي العصر الفيكتوري من أن يروا اختراعاتهم تنتشر مثل السرطان في العالم الذي لم يمسه الفساد بعد! ما الخطأ الذي أرتكبه الجنس البشري لكي لا يستطيع أن يستخدم المعرفة التي اكتسبها بثمن مرتفع جداً للتمييز بين ما يحب وما يكره؟ إنه ليس الجهل الذي يمنعنا من معرفة ما نحبّ، بل الكسل والجبن. فنحن لو تركنا إنساناً ما دون تعليم يصنع ما يريد بفطرته لا شك أنه سينجز أشياء رائعة. لكن عندما نبدأ نفكر في ما يجب أن نحب أو نحتقر، تتفتق عقول أصحاب المصانع الغربية. ونحن نقبل الأشياء التي يبيعوننا إيًاها بالجملة مثلما يقبل الشرقُ الغربَ. إننا نتقبل أفكار الآخرين، إما بسبب كسلنا إما بسب خوفنا من التعرف على أفكارنا الخاصة. ولا ريب أن السيد العجوز كان يحب أبوابه المنقوشة عندما ينظر إليها، ويشعر بالسعادة في مدينته العريقة والوحيدة التي لم أرى فيها أية شائبة يمكن أن تمس تناسقها وجمالها. ومع ذلك فالسيد أبوبكر الكاف يشعر أنه ملزمٌ بإدخال قبحنا الغربي إلى مدينته ليفسدها إلى الأبد. حاولت أن أقول ذلك: لكن ماذا يمكن أن يفعل صوت امرأة ؟.. مجرد ضوضاء، ربما لطيفة، وربما ليس كذلك؛ وفقاً للمكان والزمان.
    عندما عبرت عن مشاعري للسّيد أبي بكر الكاف ابتسم؛ كان يعتقد أن حديثي حول جمال بيوت حضرموت مجرد مجاملة. ألا نعيش نحن الأوروبيون في مثل هذه المباني الحديثة ووسط مثل هذه الكماليات؟ ولماذا نصنعها إذا كنّا لا نحبها؟ ثم أخذني إلى البيت العالي الذي ما زالت عائلته تعيش فيه بالطريقة التقليدية.
    كانت زوجته تقف في أعلى السلم، في ثوبٍ من الحرير الأحمر، وقد صبغت بالحناء أصابعها المحملة بالحلقات الجميلة. وبعد أن اجتزنا عدداً من الردهات دخلنا غرفة يتم فيها تزيين فتاة جميلة بمناسبة مرور أربعين يوماً على ولادة طفلها. وتقوم إحدى النساء بنقش موتيفات جميلة جداً بالحناء علي يديها وقدميها. وكان هذا النقش استعداداً أيضاً لحضور زواج سيقام في تريم بعد بضعة أيام. وقد دُعيت أنا كذلك لهذا الزواج. وبما أن هؤلاء النساء كنا لطيفات حقاً فقد عدت لزيارتهن مرة أخرى وسررت كثيراً برفقتهن. وفي الحقيقة لم يمر وقت طويل على استقرارهن في سيؤن. فالسيد أبو بكر الكاف جاء إلى هذه المدينة على إثر انتفاضة قام بها العبيد في تريم وسببت له كثيراً من المشاكل. لهذا قدم إلى سيؤن مع واحدة من عائلاته بحثاً عن السلام في حدائقها. والنساء ينتظرن الآن بفارغ الصبر إنجاز المنزل الجديد ذي الطابق الواحد والمحاط بأسوار يستطعن التجول بداخلها. فالنسبة للمرأة هذا شيء لا يقدّر بثمن.
    بينما كنت جالسة مع هؤلاء النساء وصلتني رسالة من أرملة متعلّمة من سيؤن تطلب مني فيها أن أزورها. وقد قادتني إليها خادمة تجرجر خلفها ذيل ثوبها الأخضر وسط النخيل. ثم صعدنا سلماً مطلياً بالنورة (الجير الأبيض) قادنا إلى غرفة واسعة، ذات أعمدة، ومفروشة بسجاد، وتحلقت نحو عشرين امرأة، يلبسن فساتين قطنية مزهرة وأثقلن أيديهن بالأساور العنبرية، حول زعيمتهن الروحية. لقد ذكرنني بـ(متحذلقات موليير). أما الأرملة نفسها فقد كانت شابة، ومستديرة، وكانت عيناها تلمعان، وقد تدلت ضفيرتان صغيرتان على جانبي وجهها. وعندما رأتني أدخل شرعت في القراءة في نسخة من (صحيح البخاري) كان موضوعاً فوق خشبة صغيرة أمامها. وبينما انهمكت هي في القراءة بصوت له رنين غير معبر كانت النساء حولها يتململن بحرارة وقد انقسمن بين الرغبة في الاستماع للقارئة كما هي العادة، والرغبة الجامحة في رؤيتي.
    ثم تقدمتُ وسط النساء واقتربت من ربة البيت. وبعد أن سلمت عليها رحّبت بي بخطاب مؤثر كانت تلقيه وكأنه ينساب من حنفية، وفي الوقت نفسه ظلّت تراقبني وتمسكني بإحدى يديها، وتشير بالأخرى لجذب انتباه قطيعها. وكانت تنقط جملها بأصابعها القصيرة والجميلة المنقوشة بالحناء. ولم تنسى أن تضمن حديثها بعض الآيات القرآنية وبعض الأحاديث النبوية، واقتبست كذلك من أقوال الشعراء إذ أنها كانت هي نفسها شاعرة، وشاركت في مساجلات شعرية شعبية، وتحصلت في إحدى المرات على طقم أواني للشاي كجائزة. وأخبرتني أنّ النساء يجتمعن عندها يومياً ليستمعن إلى القرآن أو صحيح البخاري أو صحيح مسلم أو أحد كتابين تقليديين نسيت أسميهما. وقد صادف أنني أعرف شيئاً عن صحيح البخاري، وعندما استطعت أن استذكر نصف جملة من أقواله شرعت المرأة، دون أن تتردد ثانية، في الحديث عن الفلسفة والقيمة العليا للدين، وسألتني: "لماذا لا تسكنين هنا؟ سيكون باستطاعتنا أن نجتمع ونتناقش كل يوم؟".
    في الحقيقة كنت أفكر، ولم يكن لدي شيئاً أقوله. أما النساء اللاتي يشنفن أسماعهن بصوت السيدة كل يوم، ولن يكون لديهن فرصة أخرى لمشاهدة امرأة أوروبية فقد أظهرن علامات التمرد الآن، و طلبن مني - بواسطة الخادمة ذات الثوب الأخضر- أن أخلع قبعتي. فبما أنهن لا يستطعن الاستماع لي يمكنهن أن يتفرجن عليّ. خلعتُ القبعة وابتسمت لهن. بعضهن فتحن أفواههن من الدهشة، لكن لم تتجرأ أيّ منهن أن تتفوه بكلمة تقاطع بها جملة زعيمتهن الموشاة بزهور البلاغة والخيال. وعند اقتراب حلول المساء اضطررت أنْ أنهض وأنصرف. وقد غادرت السيدة وقلبي يفيض بمشاعر المودة نحوها؛ إذ أنّ تحذلقها كان يأتي بشكل عفوي ومرح و طبيعي، مثل جدول بين الصخور، وسط هذه المراعي اللاهوتية القاحلة. وقد أخبرتني أن هناك سيدات متعلّمات أخريات في سيؤن وتريم، مدينتي الدين والعلم، لكنّهن "متزمتات جدا". إما هي فلم تكن كذلك: فذراعاها كانتا مفتوحتين إلى المستمعة المسيحية، وكانت تكنّ لي مودةً مخلصة. وقد جاءت لزيارتي في مسكني عندما عُدتُ من تريم إلى سيؤن. زوجها مات، وهي مستقيمة وتحظى باحترام الجميع. وتعيش في منزلها الخاص بها مع أطفالها الكثيرين. وأتصور أنها إحدى النساء الأكثر سعادة في حضرموت لأنها تستطيع أن تفعل ما يحلو لها.
    وفي صباح اليوم التالي - السادس من فبراير- غادرت "فيلا عز الدين" برفقة حسن لقضاء ثلاثة أيّام في تريم.

    قلب العاشقين
    قلب العاشقين
    عضو ذهبي
    عضو ذهبي


    عدد المساهمات : 2485
    نقاط : 2744
    تاريخ التسجيل : 24/02/2009
    الموقع : ارض الله الواسعة

    ســـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــيؤن 1934م Empty رد: ســـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــيؤن 1934م

    مُساهمة من طرف قلب العاشقين الخميس أبريل 30, 2009 8:23 am

    انها لسيؤن فعلا بلاد العز بلاد الحضارة والحفاظ على التراث

    مشكور اخي ع الطرح الرااائع


    تقبل مروري
    عينات
    عينات
    عضو ذهبي
    عضو ذهبي


    عدد المساهمات : 556
    نقاط : 497
    تاريخ التسجيل : 15/11/2008
    العمر : 37
    الموقع : المانيا

    ســـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــيؤن 1934م Empty رد: ســـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــيؤن 1934م

    مُساهمة من طرف عينات الخميس أبريل 30, 2009 10:40 am

    شكرا
    بلاد حفرت مكانها في كتاب الزمن والتاريخ والاصاله بلاد تم تناسيها الان بسبب بعض الناس المهملين متناسين كيف كانت ومن احتضنت فياريت يتم الالتفات اليها من قيادتنا الحكيمه مع ان لاحياة لمن تنادي
    samyyyyy
    samyyyyy
    عضو ذهبي
    عضو ذهبي


    عدد المساهمات : 2067
    نقاط : 970
    تاريخ التسجيل : 16/03/2008
    العمر : 39
    الموقع : في كل مكان

    ســـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــيؤن 1934م Empty رد: ســـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــيؤن 1934م

    مُساهمة من طرف samyyyyy الجمعة مايو 01, 2009 2:22 pm

    قلب العاشقين كتب:انها لسيؤن فعلا بلاد العز بلاد الحضارة والحفاظ على التراث

    مشكور اخي ع الطرح الرااائع


    تقبل مروري
    تسلم يالغالي على تواجدك الدائم والمستمر ........
    (( بلادي وإن جارت علي عزيزة وأهلي وإن بخلوا علي كرامٌ )
    samyyyyy
    samyyyyy
    عضو ذهبي
    عضو ذهبي


    عدد المساهمات : 2067
    نقاط : 970
    تاريخ التسجيل : 16/03/2008
    العمر : 39
    الموقع : في كل مكان

    ســـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــيؤن 1934م Empty رد: ســـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــيؤن 1934م

    مُساهمة من طرف samyyyyy الجمعة مايو 01, 2009 2:25 pm

    عينات كتب:شكرا
    بلاد حفرت مكانها في كتاب الزمن والتاريخ والاصاله بلاد تم تناسيها الان بسبب بعض الناس المهملين متناسين كيف كانت ومن احتضنت فياريت يتم الالتفات اليها من قيادتنا الحكيمه مع ان لاحياة لمن تنادي
    لاشكر على واجب وتسلم على مداخلتك المهمة .......... ومثل ما بيقولو المصريين
    ( من بؤُئك لسابع سماء )))

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس مارس 28, 2024 5:00 am